fbpx
الزوجية والعاطفية

فخُّ السعادة

هل السعادة هي الحالة الطّبيعيّة التي يجب أن بكون عليها الفرد؟  أم أنّ ذلك مجرّد كذبة لا أساس لها تروّج لها أغلب كتب التّنمية البشريّة التي تستغلّ الظّروف الصّعبة التي يعيشها النّاس ليروّجوا إلى كون الشّعور بالسّعادة هو الوضع الطّبيعي لأيّ شخص؟

وهذا رأي الكاتبين د. روس هاييس وبيف آيسبيت اللّذان يعتبران أنّ هذه المعادلة «يجب أن تكون سعيدا كي تكون طبيعيّا» ماهي إلّا فخّ.

يرى الكاتبان أنّ من يحاولون إيقاعنا في فخّ السعادة يعتمدون على أربع خرافات:

• السعادة هي الحالة الطّبيعيّة للشّخص.

وهذا غير صحيح إذ إنّ هناك حالة إدمان بين كلّ أربعة أشخاص، وحوالي ثلاثون بالمائة من البالغين يشكون من اضطرابات نفسيّة. إضافةً إلى ضغوطات العمل وبقيّة المشاكل التي نواجهها في حياتنا. وعليه فإنّ السعادة التي يروّجون لها أمر نادر، وبالتّالي يزيد عدم وصولنا للسّعادة من تعاستِنا.

• إن كنتَ غير سعيد فهذَا مُعيب.

وهذا عائد للأفكار السّائدة في المجتمع حيثُ تُعتبر المعاناة النّفسيّة خطأ. وهي دليل على نقص الشّخص ووجود خللٍ في عقله، ولذلك نجد أنّه عندما تصيبنا حالات نفسيّة. وتراودنا أفكار تسبّب الألم والمعاناة نسعى لكبتِها وإخفائها وهذا يزيد من المعاناة.

• التّخلّص من المشاعر السّلبيّة والسّعي للمشاعر الإيجابيّة هو السّبيل لحياة أفضل.
وهذه حقيقة أسوأ خرافة يروّجون لها وهي الأكثر انتشارّا.

• يجب أن تتحكّم في أفكارك ومشاعرك.

وهذه أيضًا خرافة منتشرة بشدّة ومفادها أنّه عليك استبدال الأفكار الإيجابيّة بأفكار سلبيّة، ويعتمدون في ذلك على قاعدة: «ما تفكّر به سيحدث».
لو فكّرت في أمور تجلب السعادة فسوف تكون سعيدًا، ولو فكّرت في الثّراءِ ستُصبح ثريًّا.

والخلاصة أنّ الحياة فيها الكثير من الألم، ولذلك فإن الأفكار والمشاعر السّلبيّة أمر طبيعيّ.

ولكن لماذا ترسّخت هذه الخرافات في ثقافاتنا ومجتمعاتنا؟

لأنّنا وببساطة نمتلك قدرة كبيرة على التّحكّم في عالمنا المادّي. ونظنّ أنّه بإمكاننا نقل ذلك لنتحكّم بعالمنا الدّاخلي، وهذا ليس واقعيًّا.

كيف نتعامل مع الأفكار والمشاعر التّعيسة؟

غالبًا ما نحاول التّخلّص من الفكرة أو الشّعور السّلبي. ولكن محاولة التخلّص تلك تزيد الأمور سوءًا.

توجد طريقتان للتّصدّي لأفكارنا ومشاعرنا غير السّارّة:

• الكرّ ويكون ذلك بمحاربةِ المشاعر السّيّئة باعتماد بعض الأساليب؛ مثل قمع تلك الأفكار والمشاعر. أو بالجدال مع النّفس وذلك بتحدّي الأفكار السّلبيّة، أو بإجبار أنفسنا على الشّعور الإيجابيِّ. أو توبيخ النّفس على تلك الأفكار والمشاعر.

• الفرّ ويكون ذلك بمحاولة الفرار من المشاعر والأفكار غير المرغوب فيها بالاختباء أو الهروب. أو من خلال الإشغال أو الإلهاء ويكون ذلك بالتّركيز على أمور أخرى لتجنّب تلك الأفكار والمشاعر غير المرغوب فيها. ونذكر على سبيل المثال الانشغال بمشاهدة التّلفاز، أو الانغلاق أو فقدان الشّعور بجعل أنفسنا فير واعين بتلك الأفكار.

ثمّ يأتي أخيرًا استخدام الحبوب والعقاقير للهروب من الألم.
إنّ فخّ السعادة يتمثّل في تجنّب الأفكار السّلبيّة بشكل تامّ، وفي المقابل السّعي للأشياء الإيجابيّة فقط، لأنّك تعتقد أنّ هذا هو سبيل السعادة.

كيف نتفادى الوقوع في هذا الفخّ؟

أوّل الخطوات إدراكك لوجود فخّ وكلّ ما تحتاجه الآن تعلّم كيفيّة التّعامل بفاعليّة مع الأفكار والمشاعر.
والتّعامل السّليم يتطلّب منّا الوعي التّام والقيم؛


• الوعي التّام:

وهو خالة تجمع بين الإدراك والانفتاح وتحتوي على ثلاث مهارات:


1_ إبطال فاعليّة الأفكار الأليمة والمعتقدات المقيّدة للذّات والانتقاد الذّاتي.
فالأفكار تراودنا في أدمغتنا على شكلين: إمّا كلمات وإمّا صور، فالعقل أشبه بجهاز يقصّ القصص والتي تتكوّن عادة من كلمات أو صور.
وهذا الجهاز والذي هو العقل يرغب باستمرار في لفت انتباهنا، وإن حدث وسيطرت قصّة ما على تفكيرنا فسنندمج معها.
ومن الضّروريّ أن تعلم أنّ المشكل لا يكمن في الأفكار بحدّ ذاتها، ولكن يكون ذلك مشكلا عندما نندمج معها، لأنّنا حينها سننعزل عن الأشياء والأمور التي تجعل لحياتنا معنًى، والاندماج يظهر لنا الأفكار وكأنّها حقيقة ينبغي تصديقها، ولكن يمكننا إبطال فاعليّة الأفكار عن طريق الانفصال والذي له أساليب متعدّدة:
الأسلوب الأول يتمثّل في وضع عبارة «أنا» قبل الفكرة فتقول: أنا لديّ فكرة…
جرّب أن تقول: لديّ فكرة أنّني بلا قيمة.
الآن قل: أنا بلا قيمة.
ثمّ قارن بينهما وانظر أيّهما أكثر قوّة وأشدّ تأثيرًا؟

حينها ستدرك أنّ هذه الأفكار مجرّد كلمات وصور لا أكثر، وأنّها تحتمل الخطأ والصّواب، ولسنا مضطرّين لتصديقها والإيمان بها، وهي ليست أوامر علينا تنفيذها، وليست أيضا تهديدات لنا؛ فلا تحاول الهروب منها، أو التّخلّص منها، بل واجهها وسمّها باسمها: هي مجرّد قصّة (قصّة أنا بلا قيمة، قصّة الجميع يكرهني، …إلخ).


وهذا هو الأسلوب الثّاني للانفصال ويتمثّل في التّعامل مع الأفكار على أنّها قصص مكوّنة من كلمات وصور؛
وهنا يمكن عدم أخذها على محمل الجدّ: تخيّل أنّ هذه القصّة مكتوبة أمامك على جهاز حاسوب وأنت تتحكّم بحروفها وكلماتها وألوانها، يمكنك أيضا أن تردّد كلماتها بأصوات سخيفة، أو بأسلوب هزليّ.

وهنا قد يُطرح سؤال: ماذا لو كانت هذه القصّة حقيقيّة، فهل سأكون حينها بصدد السّخريّة من مشاعري وآلامي؟

يأتي هنا التّعامل مع المشاعر الأليمة عبر المهارة الثّانية من مهارات الوعي التّام وهي التّوسّع؛ ويعني ذلك السّماح للأفكار غير المرغوب فيها والمشاعر الأليمة بالمرور داخلنا وذلك بتخصيص مساحة لها ولكن دون الانجراف معها.
كما يمكنك القيام بالتّوسّع من خلال تجنّب الأفكار واتّصالك بعواطفك من خلال الملاحظة واستشعار صورتها الحقيقيّة،

ويكون ذلك من خلال ثلاثة أشياء:

• الملاحظة:

ويكون ذلك من خلال فحص نفسك جيّدا والبحث عن مكان المشاعر الأليمة، وتحديد مدى عمقها وتاريخ بدايتها، تبحث عن الإحساس السّيء وعندما تجده تنفتح عليه.


• التّنفّس:

خذ نفسًا عميقا بشكل مباشر في أماكن الأحاسيس، وافتح لها الباب وتوسّع حولها.


• السّماح

بتواجد تلك المشاعر داخلك حتّى لو لم تحبّها، ولو قاومك عقلك فاشكره ثمّ استمرّ في ما تفعله.
ولا تحاول تغيير الفكرة أو الشّعور لأنّ الهدف مواجهته ورؤيته على حقيقته وتحقيق سلام معه.
ولا تتعامل مع جميع المشاعر مرّة واحدة ولكن تعامل مع كلّ شعور على حِدة، وإذا انتهيت منه انتقل للشّعور التّالي حتّى تنتهي من جميع مقاوماتك.


ثمّ نصل إلى آخر مهارة من مهارات الوعي التّام ألا وهي الاتّصال وهو الحضور التّام في الزّمان والمكان الحاليين والقطع مع الماضي أو المستقبل.
يتمثّل الاتّصال في اليقظة والملاحظة وتقدير ما يوجد في كلّ اللّحظات.
لديك الآن ثلاثون ثانية لتجربة هذا التّمرين: دع كلّ شيء وانظر إلى ما حولك واستخدم في ذلك جميع حواسك ولاحظ خمس أشياء بإمكانك لمسها ورؤيتها وسماعها.

وبعد الانتهاء من مهارات الوعي التّامّ وإتاحة المجال لمشاعرنا وأفكارنا، جاء دور الخطوة الثّانية وهي القيم والتي ستساعدنا أكثر في التّعامل مع مشاعرنا وأفكارنا.
والقيم هي الأشياء التي تؤمن بها وترغب في تحقيقها وتسعى للوصول إليها، ومن الضّروري ترجمة القيم إلى فعل إلزاميّ يجعلك تقوم بالأشياء المهمّة لك فعلًا.
ونحن نحتاج إجراءً فعّالًا يجعل حياتنا ذات قيمة، ومن الضّروريّ تحديد القيمة التي تريدها من وراء كلّ عمل لأنّ ذلك سيساعدك في حياتك.
فإن كنت مثلًا ترغب في وظيفة فهدفك أن تتوظّف، ولكن تبقى القيمة الدّائمة وراء كل عمل ان تكون منتجًا ومبدعًا ومسؤولًا وعليه فيمكنك حينئذٍ تحقيق هذه القيم خارج نطاق العمل كالعمل الخاصّ بك أو التّطوّعي مثلًا.
الخلاصة أنّ القيم ستكون محفّزًا لك على عدم الاستسلام أو اليأس، وجميع هذه القيم مثل الحبّ، والأمانة، والمثابرة، والعطف والاحترام وغيرها من القيم نحن في أمسّ الحاجة لوضع خططٍ لتفعيلها وتنفيذها.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى